فصل: قال المراغي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكانت كلتا الغلبتين في سلطنة خسروبرويز، قال في روضة الصفا ما ترجمته: إنه لما مضى من سلطنة خسرو أربعة عشر سنة غدر الروميون بملكهم وقتلوه مع ابنه بناطوس وهرب ابنه الآخر إلى خسرو فجهز معه ثلاثة رؤساء أولى قدر رفيع مع عسكر عظيم فدخلوا بلاد الشام وفلسطين وبيت المقدس وأسروا من فيها من الأساقفة وغيرهم وأرسلوا إلى خسرو الصليب الذي كان مدفونًا عندهم في تابوت من ذهب وكذلك استولوا على الإسكندرية وبلاد النوبة إلى أن وصلوا إلى نواحي القسطنطينية وأكثروا الخراب وجهدوا على إطاعة الروميين لابن قيصر فلم تحصل، قيل: إن الروميين جعلوا عليهم حاكمًا شخصًا اسمه هرقل وكان سلطانًا عادلًا يخاف الله تعالى فلما رأى تخريب فارس قد شاع في بلاد الروم من النهب والقتل تضرع وبكى وسأل الله تعالى تخليص الروميين فصادف دعاؤه هدف الإجابة فرأى في ليالي متعددة في منامه أنه قد جيء إليه بخسرو في عنقه سلسلة، وقيل له: عجل بمحاربة برويز لأنه يكون لك الظفر والنصرة فجمع هرقل عسكره بسبب تلك الرؤية وتوجه من قسطنطينية إلى نصيبين فسمع خسرو فجهز اثني عشر ألفًا مع أمير من أمرائه فقابلهم هرقل فكسرهم وقتل منهم تسعة آلاف مع رؤسائهم.
وفي بعض الروايات أنهم ربطوا خيولهم بالمدائن، ورأيت في بعض الكتب أن سبب ظهور الروم على فارس أن كسرى بعث إلى أميره شهريار وهو الذي ولاه على محاربة الروم إن اقتل أخاك فرخان لمقالة قالها وهو قوله: لقد رأيتني جالسًا على سرير كسرى فلم يقتله فبعث إلى فارس إني قد عزلت شهريار ووليت أخاه فرخان فاطلع فرخان على حقيقة الحال فرد الملك إلى أخيه وكتب شهريار إلى قيصر ملك الروم فتعاونا على كسرى فغلبت الروم فارس وجاء الخبر ففرح المسلمون وكان ذلك من الآيات البينات الباهرة الشاهدة بصحة النبوة وكون القرآن من عند الله عز وجل لمافي ذلك من الأخبار عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى العليم الخبير، وقد صح أنه أسلم عند ذلك ناس كثير.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وابن عمر. وأبو سعيد الخدري. والحسن. ومعاوية بن قرة {غُلبَت الروم} على البناء للفاعل و{سَيَغْلبُونَ} على البناء للمفعول، والمعنى على ما قيل: إن الروم غلبوا على ريف الشام وسيغلبهم المسلمون وقد غزاهم المسلمون في السنة التاسعة من نزول الآية ففتحوا بعض بلادهم، وإضافة {غلب} عليه من إضافة المصدر إلى الفاعل، ووفق بين القراءتين بأن الآية نزلت مرتين مرة بمكة على قراءة الجمهور ومرة يوم بدر كما رواه الترمذي وحسنه عن أبي سعيد على هذه القراءة.
وقال بعض الأجلة: الصواب أن يبقى نزولها على ظاهره ويراد بغلب المسلمين إياهم ما كان في غزوة موتة وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان وذلك قريب من التاريخ الذي ذكروه لنزول الآية أولًا ولا حاجة إلى تعدد النزول فإنه يجوز تخالف معنى القراءتين إذا لم يتناقضا، وكون فريق غالبًا ومغلوبًا في زمانين غير متدافع فتأمل انتهى.
ولا يخفى على من سبر السير أن هذا مما لا يكاد يتسنى لأن الروم لم يغلبهم المسلمون في تلك الغزوة بل انصرفوا عنهم بعد أن أصيبوا بجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وعباد بن قيس في آخرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين كالمغلوبين، بل ذكر ابن هشام أنهم لما أتوا المدينة جعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون: يا فرار فررتم في سبيل الله تعالى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى.
وروى أن أم سلمة قالت لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين؟ فقالت: والله ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس يا فرار فررتم في سبيل الله حتى قعد في بيته ولم يخرج، وذكر أبياتًا لقيس اليعمري يعتذر فيها مما صنع يومئذ وصنع الناس وقد تضمنت كما قال بيان أن القوم حاجزوا وكرهوا الموت وأن خالد بن الوليد انحاز بمن معه، على أن فيما ذكر أنه الصواب بحثا بعد، فلعل الأولى في التوفيق إذا صحت هذه القراءة ما ذكر أولًا فتأمل.
وفي البحر كان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يحكي عن أبي الحكم بن برجان أنه استخرج من قوله تعالى: {الم غُلبَت الروم إلى سنينَ} [الروم: 1-4] افتتاح المسلمين بيت المقدس معينًا زمانه ويومه وكان إذ ذاك بيت المقدس قد غلبت عليه النصارى وإن ابن برجان مات قبل الوقت الذي عينه للفتح وأنه بعد موته بزمان افتتحه المسلمون في الوقت الذي عينه أبو الحكم وكان أبوجعفر يعتقد في أبي الحكم هذا أنه كان يتطلع على أشياء من المغيبات يستخرجها من كتاب الله تعالى انتهى، واستخراج بعض العارفين كمحيي الدين قدس سره والعراقي وغيرهم المغيبات من القرآن العظيم أمر شهير وهو مبني على قواعد حسابية وأعمال حرفية لم يرد شيء منها عن سلف الأمة ولا حجر على فضل الله عز وجل وكتاب الله تعالى فوق مايخطر للبشر، وقد سئل علي كرم الله تعالى وجهه هل أسر إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا كتمه عن غيركم فقال: لا إلا أن يؤتى الله تعالى عبدًا فهما في كتابه، هذا ونسأل الله سبحانه أن يوفقنا لفهم أسرار كتابه بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
{للَّه الأمر من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} أي من قبل هذه الحالة ومن بعدها وهو حاصل ما قيل أي من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين، وتقديم الخبر للتخصيص، والمعنى أن كلا من كونهم مغلوبين أولًا وغالبين آخرًا ليس إلا بأمر الله تعالى شأنه وقضائه عز وجل: {وَتلْكَ الايام نُدَاولُهَا بَيْنَ الناس} [آل عمران: 140] وقرأ أبو السمال والجحدري عن العقيلي {من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} بالكسر والتنوين فيهما فليس هناك مضاف إليه مقدر أصلًا على المشهور كأنه قيل: لله الأمر قبلًا وبعدًا أي في زمان متقدم وفي زمان متأخر، وحذف بعضهم الموصوف، وذكر السكاكي أن المضاف إليه مقدر في مثل ذلك أيضًا والتنوين عوضه عنه، وجوز الراء الكسر من غير تنوين، وقال الزجاج: إنه خطأ لأنه إما أن لا يقدر فيه الإضافة فينون أو يقدر فيبني على الضم، وأما تقدير لفظه قياسًا على قوله: بين ذراعي وجبهة الأسد فقياس مع الفارق لذكره فيه بعد وما نحن فيه ليس كذلك، وقال النحاس: للفراء في كتابه في القرآن أشياء كثيرة الغلط، منها أنه زعم يجوز {من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} بالكسر بلا تنوين وإنما يجوز {من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} على أنهما نكرتان أي من متقدم ومن متأخر، وذهب إلى قول الفراء ابن هشام في بعض كتبه، وحكى الكسائي عن بعض بني أسد {للَّه الأمر من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} على أن الأول مخفوض منون والثاني مضموم بلا تنوين.
{وَيَوْمَئذٍ} أي ويوم إذ يغلب الروم فارسًا {يَفْرَحُ المؤمنون}.
{بنَصْر الله} وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له وغيظ من شمتهم من كفار مكة وكون ذلك مما يتفاءل به لغلبة المؤمنين على الكفار، وقيل: نصر الله تعالى صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم على فارس، وقيل: نصره عز وجل أنه ولي بعض الظالمين بعضًا وفرق بين كلمتهم حتى تناقضوا وتحاربوا وقلل كل منهما شوكة الآخر، وعن أبي سعيد الخدري أنه وافق ذلك يوم بدر، وفيه من نصر الله تعالى العزيز للمؤمنين وفرحهم بذلك ما لا يخفى، والأول أنسب لقوله تعالى: {يَنصُرُ مَن يَشَاء} أي من يشاء أن ينصره من عباده على عدوه ويغلبه عليه فإنه استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى: {للَّه الأمر من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} [الروم: 4] والظاهر أن {يَوْمٍ} متعلق بيفرح وكذا {بنَصْر} وجوز تعلق {يَوْمٍ} به، وكذا جوز تعلق {بنَصْر} بالمؤمنين، وقيل: {يَوْمَئذٍ} عطف على قبل أو بعد كأنه حصر الأزمنة الثلاثة الماضي والمستقبل والحال ثم ابتدأ الأخبار بفرح المؤمنين {وَهُوَ العزيز} المبالغ في العزة والغلبة فلا يعجزه من شاء أن ينصر عليه كائنًا من كان {الرحيم} المبالغ في الرحمة فينصر من يشاء أن ينصره أي فريق كان، والمراد بالرحمة هنا هي الدنيوية، أما على القراءة المشهورة فظاهر لأن كلا الفريقين لا يستحق الرحمة الأخروية، وأما على القراءة الأخيرة فلأن المسلمين وإن كانوا مستحقين لها لكن المراد هاهنا نصرهم الذي هو من آثار الرحمة الدنيوية، وتقديم وصف {العزيز} لتقدمه في الاعتبار.
{وَعَدَ الله} مصدر مؤكد لمضمون الجملة المتقدمة من قوله تعالى: {سَيَغْلبُونَ} وقوله سبحانه: {يَفْرَحُ المؤمنون} ويقال له المؤكد لنفسه لأن ذلك في معنى الوعد وعامله محذوف وجوبًا كأنه قيل: وعد الله تعالى ذلك وعدًا {لاَ يُخْلفُ الله وَعْدَهُ} أي وعد كان مما يتعلق بالدنيا والآخرة لما في خلفه من النقص المستحيل عليه عز وجل، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار للتعليل الحكمي وتفخيمه، والجملة استئناف مقرر لمعنى المصدر، وجوزأن يكون حالًا منه فيكون كالمصدر الموصوف كأنه سبحانه يقول: وعد الله تعالى وعدًا غير مخلف {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أنه تعالى لا يخلف وعده لجهلهم بشؤونه عز وجل وعدم تفكرهم فيما يجب له جل شأنه وما يستحيل عليه سبحانه أو لا يعلمون ما سبق من شؤونه جل وعلا، وقيل: لا يعلمون شيئًا أو ليسوا من أولي العلم حتى يعلموا ذلك.
{يَعْلَمُونَ ظَاهرًا مّنَ الحياة الدنيا} وهو ما يحسون به من زخارفها وملاذها وسائر أحوالها الموافقة لشهواتهم الملائمة لأهوائهم المستدعية لانهماكهم فيها وعكوفهم عليها.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعلمون منافعها ومضارها ومتى يزرعون ومتى يحصدون وكيف يجمعون وكيف يبنون أي ونحو ذلك مما لا يكون لهم منه أثر في الآخرة، وروى نحوه عن قتادة وعكرمة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال في الآية: بلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه وما يحسن يصلي، وقال الكرماني: كل ما يعلم بأوائل الروية فهو الظاهر وما يعلم بدليل العقل فهو الباطن وقيل: هو هنا التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها، وتعقب بأنهما ليسا مما علموه منها بل من أفعالهم المرتبة على علمهم، وعن ابن جبير أن الظاهر هو ما علموه من قبل الكهنة مما تسترقه الشياطين، وليس بشيء كما لا يخفى، وأيًا ما كان فالظاهر أن المراد بالظاهر مقابل الباطن، وتنوينه للتحقير والتخسيس أي يعلمون ظاهرًا حقيرًا خسيسًا، وقيل: هو بمعنى الزائل الذاهب كما في قول الهذلي:
وعيرها الواشون أني أحبها ** وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

أي يعلمون أمرًا زائلًا لا بقاء له ولا عاقبة من الحياة الدنيا {وَهُمْ عَن الآخرة} التي هي الغاية القصوى والمطلب الأسني {هُمْ غافلون} لا تخطر ببالهم فكيف يتفكرون فيها وفيما يؤدي إلى معرفتها من الدنيا وأحوالها، والجملة معطوفة على {يَعْلَمُونَ} وإيرادها اسمية للدلالة على استمرار غفلتهم ودوامها، و{هُمْ} الثانية تكرير للأولى وتأكيد لفظي لها دافع للتجوز وعدم الشمول، والفصل بمعمول الخبر وإن كان خلاف الظاهر لكن حسنه وقوع الفصل في اللفظ والاعتناء بالآخرة أو هو مبتدأ و{غافلون} خبره والجملة خبر {هُمْ} الأولى، وجملة {يَعْلَمُونَ} الخ بدل من جملة {لاَّ يَعْلَمُونَ} على ماذهب إليه صاحب الكشف فإن الجاهل الذي لا يعلم أن الله تعالى لا يخلف وعده أو لا يعلم شؤونه تعالى السابقة ولا يتفكر في ذلك هو الذي قصر نظره على ظاهر الحياة الدنيا، والمصحح للبدلية اتحاد ما صدقا عليه، والنكتة المرجحة له جعل علمهم والجهل سواء بحسب الظاهر، وجملة {وَهُمْ عَن الآخرة} الخ مناد على تمكن غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة السابقة تقريرًا لجهالتهم وتشبيهًا لهم بالبهائم المقصور إدراكها على ظواهر الدنيا الخسيسة دون أحوالها التي هي من مبادىء العلم بأمور الآخرة.
واختار العلامة الطيبي أن جملة {يَعْلَمُونَ} الخ استئنافية لبيان موجب جهلهم بأن وعد الله تعالى حق وإن لله سبحانه الأمر من قبل ومن بعد وأنه جل شأنه ينصر المؤمنين على الكافرين ولعله الأظهر. اهـ.

.قال المراغي:

سورة الروم:
هي مكية إلا قوله تعالى: {وَلَهُ الْحَمْدُ في السَّماوات وَالْأَرْض وَعَشيًّا وَحينَ تُظْهرُونَ} فمدنية وآيها ستون، نزلت بعد سورة الانشقاق.
ومناسبتها ما قبلها من وجوه:
(1) إن السورة السابقة بدئت بالجهاد وختمت به، فافتتحت بأن الناس لم يخلقوا في الأرض ليناموا على مهاد الراحة، بل خلقوا ليجاهدوا حتى يلاقوا ربهم، وأنهم يلاقون شتى المصاعب من الأهل والأمم التي يكونون فيها، وهذه السورة قد بدئت بما يتضمن نصرة المؤمنين ودفع شماتة أعدائهم المشركين، وهم يجاهدون في اللّه ولوجهه فكأن هذه متممة لما قبلها من هذه الجهة.
(2) إنّ ما في هذه السورة من الحجج على التوحيد والنظر في الآفاق والأنفس مفصل لما جاء منه مجملا في السورة السالفة، إذ قال في السالفة: {فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} إلخ، وهنا بيّن ذلك، فقال: {أَوَلَمْ يَسيرُوا في الْأَرْض} إلخ، وقال: {اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ}.
[سورة الروم: الآيات 1- 7].
بسْم اللَّه الرَّحْمن الرَّحيم.
{الم (1) غُلبَت الرُّومُ (2)}.

.تفسير المفردات:

الروم: أمة عظيمة من ولد روم بن عيص بن إسحق بن إبراهيم، كذا قال النسابون من العرب، أدنى الأرض: أي أقربها من الروم، والأقربية بالنظر إلى أهل مكة الذين يساق إليهم الحديث، والبضع: ما بين الثلاث إلى العشر، وقال: المبرد ما بين العقدين في جميع الأعداد، ظاهر الحياة الدنيا: هو ما يشاهدونه من زخارفها ولذاتها الموافقة لشهواتهم التي تستدعى انهما كهم فيها وعكوفهم عليها.

.المعنى الجملي:

روى أن فارس غزوا الروم، فوافوهم بأذرعات وبصرى من أرض الشام فغلبوا عليهم، وبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه وهو بمكة، فشق ذلك عليهم، من قبل أن الفرس مجوس، والروم أهل كتاب، وفرح المشركون بمكة وشمتوا، ولقوا أصحاب النبي وهم فرحون، وقالوا: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم، فأنزل اللّه هؤلاء الآيات، فخرج أبو بكر رضى اللّه عنه إلى المشركين فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا؟ فلا تفرحوا ولا يقرّن اللّه أعينكم لا يسرّنكم فو اللّه لتظهرنّ الروم على فارس كما أخبرنا بذلك نبينا صلى اللّه عليه وسلم فقام إليه أبىّ ابن خلف فقال: كذبت، فقال: أنت أكذب يا عدو اللّه، اجعل بيننا أجلا أنا حبك عليه أراهنك على عشر قلائص منى، وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين، فناحبه، ثم جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فقال عليه السلام: «زايده في الخطر وماده في الأجل» فخرج أبو بكر، فلقى أبيا، فقال: لعلك ندمت، فقال: لا، تعال أزايدك في الخطر، وأمادك في الأجل فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين، قال: قد فعلت، فلما أراد أبو بكر الهجرة طلب منه أبى كفيلا بالخطر إن غلب، فكفل به ابنه عبد الرحمن، فلما أراد أبىّ الخروج إلى أحد طلبه عبد الرحمن بالكفيل فأعطاه كفيلا، ومات أبىّ من جرح جرحه إياه النبي صلى اللّه عليه وسلم في الموقعة وظهرت الروم على فارس لما دخلت السنة السابعة، فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبىّ وجاء به إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: «تصدق به».
وقد كان هذا قبل تحريم القمار كما أخرجه ابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقي، لأن السورة مكية وتحريم الخمر والميسر بالمدينة.